مقتطفات من مدرسة العرفاتيون

من طرف الكرمي السبت مارس 01, 2008 6:04 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب الكثيرون عن القائد الرمز ياسر عرفات، وتحدثوا كثيرا عن صفاته وانجازاته لقضيته العادلة ، ولكني وجدت نفسي امام بعض المفاهيم السياسية العبقرية للقائد ياسر عرفات ، والتي اقتنعت بها شخصيا ، فقررت ان اكتبها اليكم باسلوبي الخاص ومن وجهة نظري الشخصية لعلنا نتعلم من حكمة وصبر القائد الاسطورة لكي ننهض بواقعنا المرير الذي وصلنا اليه بعد رحيله عنا.

لذلك وفي هذا المقال استعرض معكم بعض المقتطفات من روائع العبقرية السياسية للشهيد عرفات والتي تعتبر مدرسة سياسية مستقلة تستحق المتابعة مرارا وتكرارا ، واعلم جيدا انني في كل مرة اقرء فيها سيرة القائد ياسر عرفات ، اتعلم شيئا جديدا لم اكن اعرفه سابقا ، ولنبدء معا وعلى بركة الله في الابحار في بحر صغير من بحور السياسة العرفاتية ونبدء مع :-

1- القائد ياسر عرفات ومفهوم القاعدة الارتكازية لحرب التحرير الوطنية

لقد ادرك القائد ياسر عرفات بشكل جيد الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالثورة الفسطينية من جميع الاتجاهات ، وفهم ان الاحتلال في ارضنا يختلف عن اي استعمار او احتلال مر على هذا العالم، لان الاستعمار الذي يسرق الثروات يختلف عن الاحتلال الذي ياتي بشعب ليس له وطن بدافع ديني ، ليحتل ارضا تعود الى شعب اخر ، ويتلقى هذا الاحتلال الدعم المادي والعسكري من معظم دول العالم ويعترف به كدولة ذات سيادة ، واما الشعب المحتل فليس له أي دعم عسكري او مادي حقيقي او حتى سياسي .

ففي فيتنام على سبيل المثال كان لها قاعدتين ارتكازيتين في مواجهة الولايات المتحدة ، وهما الصين والاتحاد السوفيتي وتقوم هذه الدول بدعم فيتنام عسكريا وماديا في مواجهة الاحتلال الامريكي ، حتى تمكنت فيتنام من هزيمة الولايات المتحدة ، وكذلك افغانستان كان لها قاعدة ارتكازية في مواجهة الاتحاد السوفيتي وهي الولايات المتحدة والدول الاسلامية ، ومفهوم القاعدة الارتكازية ، هو حصول بلد محتل او بلد يحارب قوة اخرى ، على كافة اشكال الدعم الممكن سواء كان عسكريا او ماديا او معنويات او سياسيا ، وقد يعني هذا المصطلح التحالف الكامل بين عدة بلدان تجاه قضية معينة بكل ما تعنيه كلمة تحالف من معنى.
اما الشعب الفلسطيني ، فكانت معظم الدول العظمى تقف في مواجهته بدلا من دعمه ولا ابالغ لو قلت ان الدول الصديقة حاصرت الشعب الفلسطيني قبل العدو ، وقد قال الشهيد ابو جهاد رحمه الله " نحن نعلم اننا اذا واجهنا اسرائيل سنواجه العالم اجمع وسنفعل ذلك "، ومع ذلك لا ننكر بان العديد من الدول دعمت شعبنا ماديا ومعنويا وعسكريا ولكن هذا الدعم لم يرق الى الحد الادنى المطلوب لاستكمال مشوار حرب التحرير.

فعندما فهم ياسر عرفات وقيادة فتح طبيعة المعركة ، قام بمحاولات لانشاء قواعد مؤقتة عبر دول الطوق للشعب الفلسطيني ، فكانت النتيجة ، الاحتكاكات مع بعض الاطراف في دول الطوق بالاضافة لمواجهات مع العدو الصهيوني، وقد ادى ذلك وخصوصا بعد حرب بيروت بالتحديد الى الرحيل والابتعاد عن حدود فلسطين.
وقد سئل ياسر عرفات من احد الصحفيين لحظة خروجه من بيروت ، الى اين تذهب بعد خروجه من بيروت ، فقال الى وطني فلسطين ، فضحكوا واستغربوا لهذا الكلام والذي كان غير منطقيا في ذلك الوقت.
ومرت الايام و اندلعت بعدها انتفاضة الحجارة وكانت الطريق الاول لعودة الثوار وعلى راسهم ياسر عرفات الى فلسطين بعد اتفاق اوسلو ، فجميل ان يعرف الانسان الهدف الذي يسعى اليه ، ففي تصريح ياسر عرفات نوع من التوقع الذكي ، اذ ان عرفات ادرك تماما ان ابتعاده عن دول الطوق يعني انه سيراهن على ثورة داخل الارض المحتلة ، ثم يحاول ان يبرم اتفاق جزئي مع اسرائيل حتى تكون المعركة الحقيقية في داخل الارض الفلسطينية.

الغريب ان من انتقد اوسلو ، كانت اوسلو المتنفس له في السياسة والحرب وكانت المظلة التي يستظلون بظلها ، فاذا تحدثنا عما يخص الحرب ،فلأول مرة تطلق صواريخ فلسطينية على اسرائيل من داخل ارض فلسطينية ، ولاول مرة تتشكل اجهزة عسكرية قادرة على ردع العدو الصهيوني عند ارتكابه المجازر ، واستطاعت المقاومة جلب السلاح والذخائر .
فهذه هي القاعدة الارتكازية التي خطط لها ياسر عرفات وكان يحلم بها ، لتقودنا الى حرب التحرير.

ومن الجانب الاخر وفيما يخص السياسة ، فقد شكلت المعارضة الان حكومتها ، وتحول قادتها من مطلوبين للاغتيال على يد القوات الاسرائيلية الى سياسيين أتت بهم الانتخابات الديمقراطية إلى سدة الحكم ولا يستطيع احد ان يتعرض لهم بالأذى .

أما عن دعم ياسر عرفات للمقاومة المسلحة فيكفيك دليلا على ذلك سفينة كارين A المحملة بالسلاح والذخائر والتي اعترضتها اسرائيل في عرض البحر الاحمر .

فكانت السلطة الفلسطينية غطاءا شرعيا للمقاومة الفلسطينية والتي تصدرتها حركة فتح ، وكذلك كانت السلطة حماية للمعارضة التي لم تعترف بها ولو ليوم واحد ، بل اكثر من ذلك انخرط رجال الامن في المقاومة المسلحة داخل الارض المحتلة.

واختصر هذه الفقرة كالاتي:-

يحسب لياسر عرفات انه انشئ قاعدة ارتكازية لحرب تحرير طويلة الامد ، عبر نقل الصراع من خارج فلسطين الى داخل فلسطين في ظل حصار عسكري مشدد على الحدود من قبل اسرائيل ودول الطوق ، وفي ظل دعم دولي للاحتلال وانقطاع للدعم عن المقاومة.

2- بالعصاة العرفاتية السحرية تحول اللاجىء الى مقاتل

احدى الكلمات الرائعة التي تحدث بها عرفات في غور الاردن لبعض وسائل الاعلام " ما عملناه كان مهما ، انشئنا شعبا جديدا ، بدل ان يكونوا لاجئين ، اصبحوا مقاتلين من اجل الحرية وهذا مهم جدا ، وسترون المرحلة المقبلة"

كيف يمكن لك ان تنشيء شعبا جديدا؟؟؟ كيف لاحد ان ينشئ شعبا جديدا؟؟

وخصوصا بعد احباطات هزيمة 48 وبعدها هزيمة 67 واثرها المدوي على الامة العربية ، لذلك كان على عرفات ان يقوم بموقف بطولي يعيد للبوصلة اتجاهها الصحيح ويظهر في الوقت المناسب ليقنع الجميع باستراتيجيته الجديدة لمقاومة الاحتلال ، لذلك كانت الكرامة في الزمان والمكان المناسب والتي هزم فيها الجيش الاسرائيلي هزيمة مخزية، لتعيد للامة كرامتها المهدورة ، ثم توالت المعارك والعمليات البطولية ، حتى وصلنا لانتفاضة الاقصى ، كل ذلك كان بادارة الخبير السياسي والعسكري المحنك ياسر عرفات.
لقد حول ابا عمار اللاجئين الذين كانوا يبحثون عن رغيف الخبز ، الى مقاتلين ، يقف العالم اجمع احتراما لهم ، الفلسطيني الان يصنع الاربي جي والهاون ، ويصنع معداته بنفسه ، الفلسطيني يتفوق في جميع المجالات العلمية والثقافية ، الفلسطيني يبني دول المنطقة ويساهم في نهضتها العمرانية والصناعية.

ساختصر هذه الفقرة واقول لكم لقد بنى ياسر عرفات دولة حضارية ، تحتاج للارض فقط ، انها دولة في داخل كل انسان فلسطيني في مشارق الارض ومغاربها، انها دولة العلم والكفاح ، وهذه الدولة تنتظر الفرصة المناسبة لتصبح واقعا مميزا يفرض احترامه على الجميع.

3- قادة المنطقة يسحقون المعارضين ، والقائد عرفات يدعم المعارضة ويقويها بالمال والسلاح

لقد كان ابا عمار يدعم خصومه بالمال والسلاح ، لماذا ؟؟
لانه كان يدرك تماما ان المعارضة هي مراة السلطة ، ولان المعارضة ايضا كانت تعطيه مساحة من المناورة يستطيع ان يناور بها اعدائه .
والاهم من ذلك ان ياسر عرفات كان الاب والقائد لكافة شرائح الشعب الفلسطيني ، ولم يكن قائدا لفتح فقط ، والكل يرى الان المعارضة الفلسطينية عندما تسلمت السلطة فبدات تتعامل بمنظور حزبي خالص ولم تتحدث قط باسم الشعب الفلسطيني كافة ، فاين ابوة وحنان ياسر عرفات الذي غمر الجميع ولم يميز بين حزب واخر.

لقد كانت نظرة الختيار الثاقبة تسبق كل المعارضين ، عندما قال ابا عمار نريد دولة في حدود 67 وعودة اللاجئين والعاصمة القدس ، وكانت المعارضة تكيل له الاتهامات تلو الاتهامات ، الان عادت المعارضة لتطرح نفس الحل ، وقد يكون بطرق اخرى.

وعندما رفضت المعارضة اوسلو ، واعتبرتها تدميرا للقضية الفلسطينية ، فقد كانت اوسلو مجرد غطاء سياسي لمقاومة فلسطينية باسلة لقنت العدو الاسرائيلي الدرس تلو الدرس ، واضطرته للانسحاب الاحادي الجانب من قطاع غزة.

ان اوسلو هي التي جاءت بالمعارضة لتشكل الحكومة ، وهي التي علمت الفصائل الفلسطينية كيف تكون مسئولية الحكم ، وكيف تكون المعارضة الايجابية .

لقد حول ياسر عرفات مساوىء وقيود اتفاقية اوسلو الى مميزات وايجابيات بذكاء القائد وروعة السياسة التي كان يتمتع بها الرمز الفلسطيني ، فالسكين قد تقتل به شخصا وقد تقطع به حبلا يقيد الاخرين .

لقد سمعنا مرارا وتكرارا ان السلطة الفلسطينية تدين الارهاب ، وفي نفس الوقت تمول وتشجع في الخفاء العمليات الاستشهادية ، انها عبقرية السياسة، ان تمسك العصاة من النصف ، وان تجمع بين المتناقضات ، وان تلعب كرة القدم على خط التماس ، فهذه قمة المهارة في المناورة.

عندما يقول الختيار جنينجراد عن مدينة جنين مشيرا بذلك الى مذبحة مخيم جنين ، والتي تشبه مذابح اليهود في الماضي على ايدي النازيين ،، انه يذكر اليهود بمعاناتهم السابقة ويذكر الدول التي تدفع التعويضات لليهود ، لكي يستحضروا الامهم في الماضي على ايدي النازيين ويضغطوا على اسرائيل لكي تكف عن اهانة وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني ، انه يذكرهم بالتاريخ ويستغل ماضيهم الاليم ، ليلفت انتباههم الى مأساة الشعب الفلسطيني على ايديهم.

عندما يطلب ابو عمار من بعض المطاردين ، الذهاب لكنيسة المهد ، ثم يضع اسرائيل في موقف محرج مع المسيحيين في انحاء العالم ، فهذه قمة العبقرية السياسية.

عندما يدعم ابو عمار شخصيا عملية نفق محفوظة التي قامت بها حركة حماس وفتح وعملية معبر رفح كذلك ، لتبدء بعدها حرب الانفاق في قطاع غزة ، فهذه هي العقلية المقاومة الفذة .

عندما يتحدث احد قادة كتائب الاقصى لبرنامج وثائقي ، ويقول اننا نقوم بالعمليات الاستشهادية عندما يطلب منا عرفات ذلك ، وعندما سئله المذيع ، عرفات لم يصرح قط بهكذا موضوع ، فقال له لسانه لم يصرح بذلك ولكن عينيه طلبت ذلك ، انها لغة من الصعب ان يستخدمها الا القادة العظماء ، فهذه هي لغة ياسر عرفات التي تصنع المستحيل.

وساختصر هذه الفقرة بالاتي ، ان عرفات رحمه الله كان الاب الحنون لجميع شرائح واحزاب الشعب الفلسطيني دون استثناء وكان يدعم المعارضين بالمال والسلاح دوما.

4- ديمقراطية فلسطينية فريدة من نوعها تحت القصف والاحتلال
هل سمعتم بالمثل الذي يقول اذا جاءت العاطفة من الباب ، فر العقل من النافذة؟؟ ، وانا ساغير هذا المثل الى اذا جاءت الثورة من الباب ، فرت الديمقراطية من النافذة، من شدة ما شاهدت الكثير من الكتاب والمحليين يعتبرون ان الثورة لا تاتي بالديمقراطية انما هي نواة الديكتاتورية من وجهة نظرهم ، ولكن هذه القاعدة لا تنطبق على ياسر عرفات.
فكل الثورات في هذا العالم جاءت بقوى استبدادية لا يوجد بها حرية للراي او التعبير ولكن ياسر عرفات قد اقام ديمقراطية وسط غابة من البنادق ، لا يوجد لها مثيل في الوطن العربي ، شعب محتل يمارس الديمقراطية ، ولعلكم سمعتم ان حركة حاكمة كفتح ترفع قضية بسبب بعض المخالفات من المعارضة في الانتخابات البلدية في مدينة رفح؟؟
واي نموذج يحكمنا في هذه الايام؟؟
انه نموذج يشبه الى حد كبير النموذج الفرنسي ، الرئيس من حزب وحكومته من حزب اخر طبقا لما حدث من فوز الاخ ابو مازن في انتخابات رئاسية ومن ثم فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وما حدث بعدها من تداول سلمي للسلطة ، فهذا القانون الذي سار عليه ياسر عرفات منذ قيام الثورة ، هو الذي أتى بديمقراطية الثورة ، وفي ذلك مصلحة للشعب الفلسطيني في تجديد الدماء داخل قيادة الشعب الفلسسطيني وادارة شئون الصراع مع اسرائيل بوجوه متجددة وأفق واسع ، و انا لا انكر ان هناك الكثير من السلبيات التي رافقت العملية السياسية الفلسطينية وخصوصا في الفترة الاخيرة ، ولكن قياسا بالشعوب الاخرى فنحن افضل بكثير ، فالشعب المحتل الان يعطي الدروس للمستبدين في هذا العالم في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

باختصار شديد ، ان القائد ياسر عرفات أسس ديمقراطية فلسطينية تحت الاحتلال وهذه حالة فريدة ونادرة تستحق الدراسة .

5- سياسة العرفاتية تقول لا لسياسة المحاور الاقليمية ونعم للقرار الوطني

لقد حافظ ياسر عرفات طيلة حياته على القرار الوطني الفلسطيني المستقل ، و اريقت الكثير من الدماء ثمنا للحفاظ على مشروعنا الوطني من سياسة المحاور الاقليمية والدولية ، لقد كان ابا عمار يعرف تماما معنى المثل الذي يقول ، ما حك جلدك مثل ظفرك .

كان الختيار يعلم ان جميع الدول لها مصالحها الخاصة ، لذلك تلجئ أحيانا إلى سياسة المحاور حتى تقوم بالحفاظ على تلك المصالح او اللجوء الى احداث توازنات اقليمية او مساومات مع خصومها ، ولكي اوضح فكرتي اكثر ، ساتحدث قليلا عن ايران التي اتفقت وارتبطت مصالحها مع الادارة الامريكية في العراق وافغانستان ، لضرب الطائفة السنية في كلا البلدين ، وتصدير الثورة الايرانية والمد الشيعي الى معظم البلاد العربية والاسلامية ، والان بدات العلاقات تتوتر بين ايران والولايات المتحدة على خلفية محاولة ايران لامتلاك تكنولوجيا نووية متقدمة ، واعلان نفسها كقوة اقليمية كبرى لها دور مهم في العالم ، فالان بدات الحرب بين المحاور ، ويريد كل طرف ان يثبت للاخر انه يستطيع ان يهدد مصالح خصمه في عدة مناطق من هذا العالم.

فتجد فجاة توتر في العراق ، ثم في لبنان وفلسطين ، ومن هنا فان سياسة المحاور تضر بالدول الضعيفة ، وتضر بقضيتنا ، حيث تجعلنا مجرد العوبة في يد الاخرين .

لذلك اصر عرفات على تحييد القضية الفلسطينية عن سياسة المحاور الاقليمية واكمل الاخ ابو مازن هذه الفكرة وهو الى الان يكافح من اجل الحفاظ على قرارنا المستقل ، وقد رفض ابو مازن مؤخرا عرض امريكي بدولة ذات حدود مؤقتة ، كذلك رفض ووقف امام التدخل السوري الايراني في الشئون الداخلية الفلسطينية ، وكلنا شاهد نتائج لقاء مكة الناجح بعيدا عن الاملاءات الخارجية .

والخص هذه الفقرة ، بان لدينا عمق عربي واسلامي ، ونرحب باي جهود عربية واسلامية لتحرير الارض والانسان الفلسطيني ( وقد قالها عرفات لا اريد اموالكم ، اريد سيوفكم) ، ولكن لا للزج بقضيتنا العادلة في صراعات اقليمية لا تخدم الا مصالح خاصة ببعض الدول ، ومصالح حزبية ضيقة.

6- التزلج على الموجة العملاقة المسماة (الحرب ضد الارهاب)

بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ، ظهر علينا مصطلح جديد اسمه الحرب ضد الارهاب، وقامت الادارة الامريكية بسحق كل من وقف في وجه الموجة، و ادرك ياسر عرفات ان اسرائيل بدات باقتناص الفرصة لوصف المقاومة الفلسطينية بالارهاب ، لذلك من جانبه اعتبر ياسر عرفات ان العمليات التي تحدث في حدود 67 عمليات مشروعة بنص قرار الامم المتحدة ، واي عملية تحدث في 48 هي عملية تدينها السلطة الفلسطينية.
وقال لوزير الخارجية الامريكي ، لا نتحرك ونوقف هذه العمليات ، لان اسرائيل قامت بضرب الاجهزة الامنية ، ولم تعد الاجهزة الامنية قادرة على ايقاف العمليات .

انها العبقرية الفذة ، فلم نواجه الموجة العملاقة لنغرق ، بل سبحنا معها لنصل الى بر الامان او على الاقل لتقليص الاضرار ، فكانت السلطة الفلسطينية عبارة عن غطاء سياسي للمقاومة الفلسطينية، وعلى اثر ذلك بدات الاتهامات بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي ، بان الاتحاد الاوروبي يمول العمليات الفدائية عن طريق دعمه للسلطة الفلسطينية.

انها العبقرية السياسية ، والمناورة الحكيمة ، التي مكنت لياسر عرفات ان يدعم صمود الشعب الفلسطيني باموال الغرب ، ليستطيع الشعب الفلسطيني من مقاومة الاحتلال والصمود في وجه مخططاته.

ولننظر الى ما حدث في افغانستان والعراق من تدمير على يد القوات الامريكية ودعم امريكا للفيلبين لحرب المجموعات المسلحة وكذلك اسقاط المحاكم الاسلامية ، وضياع القضية الشيشانية بعد اعطاء ضوء اخضر لروسيا واعتبار المقاومة الشيشانية ارهاب ، وكذلك اتهام المقاومة الكشميرية بالارهاب ، ومع هذه الكوارث التي حلت بدول كثيرة وجماعات كثيرة ، الى هذه اللحظة لم تجرؤ اسرائيل على اجتياح قطاع غزة.

فإلى هذه اللحظة هناك سلطة فلسطينية قائمة والعالم اجمع يعترف بها ، وهناك مقاومة تعمل تحت غطاء السلطة.
فهذه الطريقة العرفاتية الرائعة والتي خلطت الاوراق امام الاعداء ، وصدرت الازمات الى اجتماعاتهم وندواتهم ، فهم مضطرون على حماية السلطة من الانهيار لحماية الاستقرار والدفاع عن مصالحهم وفي نفس الوقت اصبحت هذه السلطة غطاء للمقاومة وانخرط الكثير من رجال الامن في الكتائب للدفاع عن شعبهم وقضيتهم.
وملخص هذه الفقرة،أن عرفات جعل الغرب يدعم صمود شعبه المقاوم ماديا وعسكريا واجتماعيا تحت اطار شرعية السلطة الفلسطينية واتفاق اوسلو .

7- عرفات ينتصر على اعدائه بعد موته ويحدد اسس وقواعد الحل النهائي للقضية و جنازة عرفات صورة رمزية لمعاناة الشعب الفلسطيني

لقد كانت جنازة القائد ياسر عرفات جنازة تليق بقائد عظيم ورمز مكافح والتي جاءت بعد استشهاد ياسر عرفات بعد حصاره عدة سنوات في المقاطعة ، ان هذه الجنازة لخصت المعاناة والغربة الفلسطينية في هذا العالم الظالم.
انها جنازة الثلاث قارات والتي لم يشهد العالم لها مثيلا، فقد تغرب هذا الجسد الطاهر في اوروبا وافريقيا ، حتى دفن في ارض فلسطين ، وقد اقيمت الجنازات العسكرية له في فرنسا ومصر وفلسطين ، لتقول للعالم اجمع ان الفلسطيني قد اقام دولته في قلبه وعقله يحملها معه اينما رحل ويفرض احترامه على الجميع حتى في مماته .
انها الجنازة التي ودع فيها العالم جسد القائد ياسر عرفات ، ولكن فكره الرائع وتاريخه العظيم يصران على البقاء معنا وملازمتنا حتى تحقيق الحلم الفلسطيني ، لقد قال احد الكتاب بعد استشهاد ياسر عرفات ، ان عرفات يحكم شعبه من قبره ،فالذي مات عليه عرفات هو خط احمر ، فلن تجد شخص واحد من الفلسطينيين يقبل او يستطيع ان يصرح بانه يقبل باقل من دولة فلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين .

لقد لخص عرفات في جنازته الحلم الفلسطيني ، وكان لها صدى قوي اثر في نفوس الملايين من الناس ، الذين احبوا ياسر عرفات ، واحسوا بغربة ومعاناة الشعب الفلسطيني المناضل.

والخص هذه الفقرة كالاتي :-
عرفات ينتصر على اعدائه حتى بعد مماته ، ويضع شروط الحل النهائي للقضية الفلسطينية قبل رحيله عن الحياة ، ليحكم شعبه وهو في قبره ويحدد الخطوط الحمراء التي لا ينبغي لاحد تجاوزها.

وفي الختام اقول ان القضية الفلسطينية قضية صعبة ومعقدة ومتشابكة ، والتي تعتبر من اعقد القضايا التي مرت على هذا العالم، وسببت معظم التوترات في هذا العالم بشهادة الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون ، وهذه القضية بالطبع تحتاج الى رجل عظيم كياسر عرفات لكي يقود المعركة بحكمة وصبر واجتهاد وتفاؤل ، لا يكل ولا يمل .
فنحن بحاجة الى العرفاتية السياسية الواقعية اللينة الحازمة والتي تجمع في وعاء واحد متناقضات كثيرة لتوحد صفوفنا وتتحفنا بفنون المناورة السياسية والحنكة العسكرية في مواجهة اعدائنا.
لذلك فعلينا قراءة تاريخ ياسر عرفات رحمه الله مرارا وتكرارا ، لكي نتعلم فنون السياسة وفنون الحرب ، حتى نتمكن من تحقيق حلمنا الفلسطيني بإقامة دولتنا المستقلة ، وعندها نحقق حلم الشهيد ياسر عرفات بان يرقد في القدس عاصمة دولة فلسطين